فصل: فصل فرائض الوضوء، وسننه، وفضائله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.فصل فرائض الوضوء، وسننه، وفضائله:

فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ مَا بَيْنَ الأُذُنَيْنِ ومَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، والذَّقْنِ، وظَاهِرِ اللِّحْيَةِ، فَيَغْسِلُ الْوَتَرَةَ، وأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ، وظَاهِرَ شَفَتَيْهِ، بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ، لا جُرْحاً بَرِئَ، أَوْ خُلِقَ غَائِراً، ويَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ وبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إِنْ قُطِعَ،كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ لاَ إجَالَةُ خَاتَمِهِ ونَقضَ غَيْرُهُ ومَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ مَعَ الْمُسْتَرْخِي، ولا يَنْقُضُ ظَفْرَهُ رَجُلٌ ولا امْرَأَةٌ ويُدْخِلانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ، وغَسْلُهُ مُجْزِئٌ، وغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَي السَّاقَيْنِ، ونُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا، ولا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وفِي لِحْيَتِهِ قَوْلانِ، والدَّلْكُ، وهَلِ الْمُوَالاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وقَدَرَ؟ وبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا، وإِنْ عَجَزَ بَنَى مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلا أَوْ سُنَّةٌ؟ خِلافٌ.
الشرح:
قوله: (لا إجَالَةُ خَاتَمِهِ ونَقض غَيْرُهُ) (نَقضَ) بالضاد المعجمة فعل مبني للفاعل أو للنائب وهذا أمثل ما يضبط به وأبعد من التكلّف، والضمير فِي قوله (غَيْرُهُ) للخاتم، وهو من صيغ العموم، إذ هو اسم جنس أضيف أي: ونقض ونزع غير الخاتم من كلِّ حائل فِي يد أو غيرها، فيندرج فيه ما يجعله الرماة. وغيرهم فِي أصابعهم من عظمٍ ونحوه، وما يزين به النساء وجوههن وأصابعهن من النقط الذي له تجسّد، وما يكثّرن به شعورهن من الخيوط، وما يكون فِي شعر الرأس من حناء وحلتيت أو غيرهما، مما له تجسّد، أو ما يلصق بالظفر أو الذراع أو غيرهما من عجين، أو زفت أو شمع أو نحوها.
وكونه لَمْ يذكر شيئاً من هذه الأمور بعينه فِي هذا المختصر دليل عَلَى صحة هذا الضبط، وإرادة هذا العموم أو بعضه؛ ولا سيما الحناء فإنه سكت عن تعيينه مع كونه فِي "المدوّنة" و"مختصر" ابن الحاجب، ومشاهير الكتب، وما كان هكذا لا يسكت عنه غالباً إلاّ إِذَا أدرجه فِي عموم.
فإن قلت: لما تحدّث ابن رشد عَلَى الخاتم فِي رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم ـ ذكر فِي من توضأ، وقد لصق بظفره أو بذراعه الشيء اليسير من العجين أو القير أو الزفت قولين، وقال: الأظهر منهما تخفيف ذلك عَلَى ما قاله أبو زيد بن أبي أمية فِي بعض روايات "العتبية" ومحمد بن دينار فِي المدوّنة المدنية خلاف قول ابن القاسم فِي "المدوّنة"، وظاهر قول أشهب فِي بعض روايات "العتبية" قلت: لا خفاء أن هذا فِي اليسير بعد الوقوع، وأما ابتداءً فلابد من إزالته، وكون ابن رشد ذكر هذا الفرع عند كلامه عَلَى الخاتم مما يؤيد ما حملنا عليه لفظ المؤلف، وأما المداد فقال أبو محمد عن ابن القاسم: من توضأ عَلَى مداد بيده أجزأه، وعزاه فِي "الطراز" لرواية محمد، وقال أبو القاسم بن الكاتب: قيّده بعض شيوخنا برقّته، وعدم تجسّده إذ هو مداد من مضى، وأجاز فِي سماع أشهب وابن نافع اختضاب الحائض والمرأة الجنب.
ابن رشد: لأن الخضاب لا يمنع رفع غسلهما حدثهما، وفِي "الطراز": إن كان الحناء بباطن الشعر لَمْ يمنع المسح كالتلبيد، وقبله ابن عرفة.

متن الخليل:
ونِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوِ الْفَرْضِ أَوِ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ وإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ أَوْ نَسِيَ حَدَثًا لا إِنْ أَخْرَجَهُ أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ نَوى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ)، يعني: أن من نوى بفعله الطهارة المطلقة، مثل أن يتطهر وينوي الطهارة، ولَمْ ينوي أي الطهارة هي، أصغرى أو الكبرى أو طهارة الماء أو الترابية يعني فإن ذلك لا يرفع عنه الحدث؛ لأن الطهارة قسمان: طهارة نجس، وطهارة حدث، فإِذَا قصد قصداً مطلقاً وأمكن انصرافه للنجس لَمْ يرتفع حدثه أي:لأن النية لَمْ تتعلق جزماً بالعرف المقصود،قاله المازري وقبله ابن عرفة، والمؤلف فِي "التوضيح".

متن الخليل:
أَوْ قَالَ إِنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ، أَو جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثَهُ، أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ الْفَضْلِ أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الأَعْضَاءِ، والأَظْهَرُ فِي الأَخِيرِ الصِّحَّةُ وعُزُوبُهَا بَعْدَهُ ورَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ، وفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ؛ خِلافٌ.
وسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلاً ثَلاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ ونِيَّةٍ ولَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَو أحدثَ فِي أَثْنَائِهِ مُفْتَرِقَتَيْنِ ومَضْمَضَةٌ واسْتِنْشَاقٌ وبَالَغَ مُفْطِرٌ وفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ، وجَازَا أَو احدهُمَا بِغَرْفَةٍ، واسْتِنْثَارٌ ومَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ، وتَجْدِيدُ مَائِهِمَا ورَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ، وتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ، فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إِنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ، وإِلا مَعَ تَابِعِهِ ومَنْ تَرَكَ فَرْضاً أَتَى بِهِ، وبِالصَّلاةِ وسُنَّةً فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ وفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ، وقِلَّةُ مَاءٍ بِلا حَدٍّ كَالْغُسْلِ، وتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ، وإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ وبَدْءٌ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وشَفْعُ غَسْلِهِ، وتَثْلِيثُهُ، وهَلِ الرِّجْلانِ كَذَلِكَ أَوِ الْمَطْلُوبُ الإِنْقَاءُ؟ وهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلافٌ.
وتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ وسِوَاكٌ وإِنْ بِأَصْبُعٍ كَصَلاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ، وتَسْمِيَةٌ، وتُشْرَعُ فِي غُسْلٍ وتَيَمُّمٍ، وأَكْلٍ وشُرْبٍ وذَكَاةٍ ورُكُوبِ دَابَّةٍ وسَفِينَةٍ، ودُخُولٍ وضِدِّهُ لِمَنْزِلٍ، ومَسْجِدٍ ولُبْسٍ وغَلْقِ بَابٍ وإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ ووَطْءٍ، وصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَراً، وتَغْمِيضِ مَيْتٍ ولَحْدِهِ، ولا تُنْدَبُ إِطَالَةُ الْغُرَّةِ ومَسْحُ الرَّقَبَةِ وتَرْكُ مَسْحِ الأَعْضَاءِ، وإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلانِ، قَالَ: كَشَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ هَلْ هُوَالْعِيدُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ قَالَ إِنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ) يعني: أن من تطّهر وقال: إن كنت أحدثت فهذا الطهر لذلك الحدث، ثم تبين أنه كان محدثاً فإنه لا يجزيه. رواه عيسى عن ابن القاسم، وقال عيسى من رأيه: يجزيه.
فقال الباجي: أما عَلَى القول بوجوب غسل الشاكّ فيجزيه اتفاقاً، وأما عَلَى استحبابه فالقَوْلانِ، ونحوه لأبي إسحاق التونسي وعبد الحق.
وقال ابن عرفة: لعلّ سماع عيسى فِي الوهم لا الشكّ، والظنّ باقٍ فِي الأول لا الثاني؛ ولذا قال اللخمي: من شكّ هل أجنب أم لا؟ اغتسل. ويختلف: هل ذلك واجب أو استحباب؟ كمن أيقن بالوضوء وشكّ فِي الحدث فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنباً أجزأه غسله ذلك، وهو بمنزلة من شكّ هل أحدث أم لا فتوضأ ثم ذكر أنه كان محدثاً، وبمنزلة من شكّ فِي الظهر فصلاها ثم ذكر أنه لَمْ يكن صلاها فإن صلاته تلك تجزيه، وإن قال: أنا أتخوّف أن أكون أجنبت وليس لشكٍ عنده إلا أنه يقول: يمكن أن يكون ونسيت، لَمْ يكن عليه غسل، فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنباً اغتسل، ولَمْ يجزه الغسل الأول. انتهى.
وقد ظهر من هذا: أن الرواية إن كانت فِي الشكّ فهي مفرعة عَلَى القول باستحباب طهر الشاكّ، وإلاّ فهي فِي الوهم والتجويز العقلي.

.باب الاستنجاء:

نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ، ومُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ واعْتِمَادُه عَلَى رِجْلٍ، واسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ يُسْرَيَيْنِ وبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيِّ الأَذَى، وغَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَهُ، وسَتْرٌ إِلَى مَحِلِّهِ وإِعْدَادُ مُزِيلِهِ، ووِتْرُهُ وتَقْدِيمُ قُبُلِهِ وتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ، واسْتِرْخَاؤُهُ، وتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ وعَدَمُ الْتِفَاتِهِ، وذِكْرٌ وِرْدَ قَبْلَهُ وبَعْدَهُ، فَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ إنْ لَمْ يَعُدْ، وسُكُوتٌ إِلا لِمُهِمٍّ وبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وبُعْدٌ، واتِّقَاءُ جُحْرٍ ورِيحٍ ومَوْرِدٍ وطَرِيقٍ وظِلٍّ وشَطٍّ ومَاءٍ دَائِمٍ، وصُلْبٍ وبِكَنِيفٍ نجس نَحَّى ذِكْرَ اللّهِ ويُقَدِّمُ يُسْرَاهُ دُخُولاً ويُمْنَاهُ خُرُوجاً عَكْسَ مَسْجِدٍ والْمَنْزِلُ يُمْنَاهُ بِهِمَا، وجَازَ بِمَنْزِلٍ وَطْءٌ وبَوْلٌ وغَائِطٌ، مُسْتَقْبِلَ قِبْلَةٍ ومُسْتَدْبِراً، وإِنْ لَمْ يَلْجَأْ أُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وبِالإِطْلاقِ لا فِي الْفَضَاءِ، وبِسِتْرٍ قَوْلانِ، تَحْتَمِلُهُمَا، والْمُخْتَارُ التَّرْكُ لا الْقَمَرَيْنِ وبَيْتِ الْمَقْدِسِ ووَجَبَ اسْتِبْرَاءٌ بِاسْتِفْرَاغِ أَخْبَثَيْهِ مَعَ سَلْتِ ذَكَرٍ ونَتْرٍ خَفَّا، ونُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وحَجَرٍ، ثُمَّ مَاءٌ وتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وحَيْضٍ ونِفَاسٍ وبَوْلِ امْرَأَةٍ، ومُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيراً ومَذْيٍ بِغَسْلِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ، فَفِي النِّيَّةِ وبُطْلانِ صَلاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلانِ، ولا يُسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ، وجَازَ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنْقٍ غَيْرِ مُؤْذٍ، ولا مُحْتَرَمٍ ولا مُبْتَلٍّ ونَجِسٍ وأَمْلَسَ ومُحَدَّدٍ ومُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ ومَكْتُوبٍ وذَهَبٍ وفِضَّةٍ وجِدَارٍ ورَوْثٍ وعَظْمٍ، فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ كَالْيَدِ، ودُونَ الثَّلاثِ.
الشرح:
قوله: (وَشَطٍّ ومَاءٍ دَائِمٍ، وصُلْبٍ) سقط الأولان من بعض النسخ، فأمّا الشط: فهو شاطيء النهر والبحر؛ عَلَى أنه إنما ذكر فِي التلقين شاطيء النهر، وعبّر عنه ابن عرفة بضفة الوادي وقربه، وأمّا المورد الذي ذكر قبل هذا فهو موضع ورود الماء من الأنهار والعيون والآبار، وأمّا الماء الدائم أي: الراكد فظاهر كلامه أنه يتقيه وإن كثر، وبه صدّر ابن عرفة، وفِي "التلقين": إلا أن يكون كثيراً جداً كالمستبحر، وصرّحوا بجوازه فِي الجاري، وهذا ما لَمْ يكن فيه ضرر.
ففي "أجوبة" ابن رشد: أنه سئل عن ماءٍ جارٍ فِي جنات وعليه أرحاء وأهل الجنات يسقون به ثمارهم، ويصرفون ما يحتاجون منه لمنافعهم وشربهم فبنى بعضهم عليه كرسياً للحدث، واحتجّ بأن ذلك لا يغيّره لكثرته، وقال الآخرون: إنه وإن لَمْ يغيّره فإنه يقذره ويعيفه، وربما رسبت الأقذار فِي قراره وذلك مما ينغصه علينا هل لهم فِي ذلك مقال؟، وما تراه إن سكت أصحاب هذا الماء عنه، هل للحاكم النظر فيه؟؛ إذ قد ينتفع به جماعة المسلمين خارج الجنات، أم يسعه السكوت عنه؟.
فأجاب رحمه الله: الحكم بقطع هذا الضرر واجب، والقضاء به لازم، قام بذلك بعض أهل الجنات، أو من سواهم بالحسبة، وعَلَى الحاكم أن ينظر فِي ذلك إِذَا اتصل به الأمر، وإن لَمْ يقم عنده فيه قائم؛ بأن يبعث إليه العدول فإِذَا شهدوا عنده به قضى بتغييره؛ لما فِي ذلك من الحقّ لجماعة المسلمين خارج الجنات، ولا يسعه السكوت عن ذلك.
وأمّا الموضع الصلب: فإن كان نجساً اتقاه مطلقاً، وإن كان طاهراً فلا يبول فيه قائماً كما قال فِي "المدوّنة": وأكرهه فِي بموضعٍ يتطاير فيه، وليبلْ جالساً ومثله فِي "التلقين" وغيره وقد قسّمه الباجي إلي أربعة أقسام فقال: إن كان طاهراً رخواً جاز القيام، والجلوس أولى؛ لأنه أستر، وإن كان نجساً رخواً بال قائماً؛ مخافة أن تتنجس ثيابه، وإن كان صلباً نجساً تنحى عنه إِلَى غيره وإن كان صلباً طاهراً تعيّن الجلوس. ومثله لابن بشير عن الأشياخ، وقبله ابن عرفة والمؤلف فِي "التوضيح"، وقد نبّه عَلَى الأولين هنا بقوله: (ندب لقاضي الحاجة جلوس، ومنع برخوٍ نجس)، وأما إطلاقه فِي اتقاء الصلب فلا أعرفه إلاّ لأبي حامد الغزالي إذ قال: وأن يتقي الموضع الصلب.

.فَصْل نواقض الوضوء:

نُقِضَ الْوُضُوءُ بِحَدَثٍ،وهُوَالْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ، لا حَصًى ودُودٌ ولَوْ بِبِلَّةٍ وبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ، كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ، ونُدِبَ إنْ لازَمَ أَكْثَرَ، لا إنْ شَقَّ، وفِي اعْتِبَارِ الْمُلازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ أَوْ مُطْلَقاً تَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ أَوْ مُطْلَقاً تَرَدُّدٌ) هذا لعدم نصّ المتقدمين.
قال ابن عرفة: وفِي كون المعتبر فيه اللزوم وقت الصلاة أو اليوم قولا شيخي شيوخنا ابن جماعة والبَودِري، والأظهر عدد صلواته، وفسّر ابن عبد السلام الأكثر: بإتيان البول ثلثي كل ساعة ليلاً ونهاراً، وتعقبه الأول بأنه فرضٌ نادر بناءً عَلَى فهمه من قصر وجود البول عَلَى أوقات الصلوات، وهو وهم؛ إنما مراد ابن جماعة: قصر المعتبر منه عَلَى الموجود أوقات الصلوات، وقوله: وأيضاً إن كان الأمر عَلَى ما قال لَمْ يخل وقت صلاة من بول قلّ أو كثر، فلابد من ناقض، فتستوى مشقة الأقلّ والأكثر، ويستوى الحكم، يردّ بأنه مشترك الإلزام فيما اختار، وفِي "التوضيح" عن المنوفي: ينبغي أن تقيّد المسألة بما إِذَا كان إتيان ذلك عليه مختلفاً فِي الوقت، فيقدر بذهنه أيهما، أكثر فيعمل عليه، وأمّا إن كان وقت إتيانه منضبطاً فإنه يعمل عليه إن كان أول الوقت أخّرها، وإن كان آخره قدّمها.

متن الخليل:
مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنِ انْسَدَّا، وإِلا فَقَوْلانِ، وبِسَبَبِهِ وهُوَزَوَالُ عَقْلٍ وإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ ولَوْ قَصُرَ لا خَفَّ، ونُدِبَ إنْ طَالَ ولَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً ولَوْ كَظُفُرٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ حَائِلٍ وأُوِّلَ بِالْخَفِيفِ وبِالإِطْلاقِ إِنْ قَصَدَ لَذَّةً أَوْ وَجَدَهَا، لا انْتَفَيَا.
الشرح:
قوله: (مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنِ انْسَدَّا وإِلا فَقَوْلانِ). هذه طريقة ابن بزيزة وله عزاها فِي "التوضيح" فجزم بها هنا كأنها عنده تفسير للمذهب.

متن الخليل:
إِلا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ مُطْلَقاً وإِنْ بِكُرْهٍ أَوِ اسْتِغْفَالٍ لا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ، ولا لَذَّةٌ بِنَظَرٍ كَإِنْعَاظٍ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ بِكُرْهٍ أَوِ اسْتِغْفَالٍ) راجع لقوله: (إِلا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ)، فليس يحتاج للتقييد بحصول اللذة؛ لأنه مبنيٌ عَلَى عدم انفكاكها عنه.

متن الخليل:
ولَذَّةٌ بِمَحْرَمٍ عَلَى الأَصَحِّ.
الشرح:
قوله: (ولَذَّةٌ بِمَحْرَمٍ عَلَى الأَصَحِّ). من هذه ومن الصغيرة احترز بقوله أولاً: (ولَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً)، فأمّا الصغيرة فقال ابن رشد: لا وضوء فِي لمسّها، ولو قصد اللذة ووحدها، إلا عَلَى مذهب من يوجب الوضوء فِي اللذة بالتذكار.
قال ابن عرفة: يردّ بقوة الفعل، وأمّا ذات المحرم فقال ابن رشد: لا وضوء فِي تقبيلها إلاّ مع قصد اللذة من الفاسق، وقبله ابن عرفة، ولم يذكر فيه خلافاً، ونصّ فِي "التلقين": "أنه إِذَا كان هناك لذة فلا فرق بين الزوجة والأجنبية وذات المحرم، وقبله المازري، وما ذكر الخلاف فِي لمس المحرم إلاّ عن الشافعية، قال: كما اختلفوا فِي الصغيرة والعجوز الهرمة.
فأنت ترى المؤلف عدل عن هذا كله، وجعل الأَصَحّ ألا أثر للمحرم لو وجدت اللذة، اعتماداً عَلَى ظاهر قول ابن الجلاب: ولا وضوء عليه فِي مسّ ذوات محارمه، وعَلَى ظاهر قول ابن الحاجب: فلا أثر لمحرم، وعَلَى تقرير ابن عبد السلام لهذا الظاهر مع حكايته خلافه عن بعض أئمة المذهب، وقوله: لا يبعد إجراء ذلك عَلَى الخلاف فِي مراعات الصور النادرة وعَلَى ذلك خرجها الشارمساحي؛ إلا أنه استثنى قبلتها عَلَى الفم، والحقّ والله سبحانه أعلم أن المذهب ما قدمناه عن عبد الوهاب وابن رشد والمازري ومن وافقهم، والآخر غايته أنه تخريج أو تمسك بظاهرٍ سهل التأويل، فكيف يجعله هو الأَصَحّ؟!.

متن الخليل:
وَمُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ ولَوْ خُنْثَى مُشْكِلاً بِبَطْنٍ أَوْ جَنْبٍ لِكَفٍّ أَوْ إِصْبَعٍ وإِنْ زَائِداً حَسَّ.
الشرح:
قوله: (ومُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ) ابن هارون: ولو مسّ موضع الجَبِّ فلا نصّ فيه عندنا، وحكى الغزالي: أن عليه الوضوء، والجاري عَلَى أصلنا نفيه؛ لعدم اللذة غالباً.

متن الخليل:
وَبِرِدَّةٍ وبِشَكٍّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ إلا الْمُسْتَنْكِحَ.
الشرح:
قوله: (إلا الْمُسْتَنْكِحَ) أى: فلا شيء عليه، ظاهره ولا يبني عَلَى أول خاطريه، وإليه مال ابن عبد السلام فقال: اعتبار أول خاطريه هو قول بعض القرويين، وتبعه عليه أكثر المتأخرين قالوا: لأنه فِي الخاطر الأول سليم الذهن، وفيما بعده شبيه بغير العقلاء فلا يعتبر.
وظاهر "المدوّنة" وغيرها سقوط الوضوء من غير نظر إِلَى خاطرٍ البتة، وهو الذي كان يرجّحه بعض من لقيناه ويقول به، ويذكر أنه رجع إليه فيه بعض المشارقة، وكان يوجهه بأن المستنكح ومن هذه صفته لا ينضبط له الخاطر الأول مما بعده، والوجود يشهد لذلك، وأيضاً فإن ما وجّهوا به هذا القول مبنىٌ عَلَى أن كلّ ما خالف العادة أو الأصل، وكان يغتفر منه اليسير دون الكثير فإنه ينقص من الكثير مقدار اليسير المغتفر فيغتفر، وهذا شيء ذهب إليه بعض الشيوخ، وهو خلاف أصل المذهب، كقولهم فِي زيادة كيل الطعام المشتري عَلَى التصديق ونقصه.. وغير ذلك من الفروع الشبيهة به. انتهى.
وما زلت أستشكله حتى أوقفني بعض الطلبة عَلَى قول أبي عبد الله بن مرزوق فِي "شرح خليل": لَمْ يزل الطلبة يستشكلون فهم هذا البناء وتنزيل مسألة المستنكح عليه، والذي يظهر أن هذه المسألة عكس هذا الأصل؛ لأن المغتفر هنا ما زاد عَلَى الخاطر الأول وهو الكثير، والذي لا يغتفر وهو الخاطر الأول هو القليل، إلا أن يكون من قياس العكس فيشبه، والطريقة القروية هى التي عند اللخمي، واقتصر عليها ابن عرفة كأنها تفسير فقال: قال اللخمي: والمستنكح يبني عَلَى أول خاطريه، وإلا ألغاه.

متن الخليل:
وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا، لا بِمَسِّ دُبُرٍ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ وقَيْءٍ وأَكْلِ جَزُورٍ وذَبْحٍ وحِجَامَةٍ وقَهْقَهَةٍ بِصَلاةٍ، ومَسِّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِعَدَمِ الإِلْطَافِ، ونُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ ولَبَنٍ، وتَجْدِيدُ وُضُوءٍ إنْ صَلَّى بِه.
الشرح:
قوله: (وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا) حكى سند فيه الاتفاق، وقال ابن عرفة: لو تيقن طهراً وحدثاً، شكّ فِي أحدثهما فقال ابن العربي: لا نصّ لعلمائنا.
وقال إمام الحرمين: الحكم نقيض ما كان عليه، وهو صحيح أقوالنا إلغاء الشكّ فمن كان قبل الفجر محدثاً جزم بعده بوضوء، وحدث شكٌّ فِي أحدثهما فمتوضيء لتيقن وضوئه، وشكّه فِي نقضه ولو كان متوضئاً فمحدث؛ لتيقن حدثه وشكّه فِي رفعه.
ابن محرز صوره ست:
"إن تيقنهما وشكّ فِي الأحدث وجب الوضوء. ولو شكّ معه فِي وجودهما فكذلك.
ولو أيقن بالحدث وشكّ فِي رفعه فواجب. فإن شكّ مع ذلك فِي تقدمه فأوجب.
ولو أيقن بالوضوء وشكّ فِي نقضه جاء الخلاف. فإن شكّ مع ذلك فِي تقدمه فالوضوء أضعف". انتهى. وقد صرّح المصنف هنا بصورتين، ولا يخفاك استنباط باقيها من كلامه ضمناً.

متن الخليل:
وَلَوْ شَكَّ فِي صَلاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ، لَمْ يُعِدْ.
الشرح:
قوله: (وإن شَكَّ فِي صَلاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ) أي: فإن افتتح الصلاة متيقناً بالطهارة، ثم شكّ فيها فِي أثناء الصلاة فتمادى عَلَى صلاته ثم تبين أنه متطهّر لَمْ يعد الصلاة، هذا عَلَى قول ابن القاسم، فِي رسم (بع) من سماع عيسى، وروى سحنون عن أشهب فِي أول سماعه: أن صلاته باطلة، وعزى فِي "التوضيح" الأول لمالك والثاني لأشهب وسحنون، ثم قال: قال المازري: وكذلك اختلف إِذَا افتتح بتكبيرة الإحرام ثم شكّ فيها، وتمادى حتى أكمل ثم تبين له بعد ذلك أنه أصاب فِي التمادي، أو زاد فِي الصلاة شيئاً تعمداً أو سهواً، ثم تبين أنه و هل يجزيه عن الواجب أم لا؟ ومن ذلك الاختلاف فيمن سلّم شاكّاً فِي إكمال الصلاة ثم تبين بعد ذلك الكمال؟ قال فِي "التوضيح": وعَلَى هذا فيتخرج لنا من هنا قاعدة وهي: إِذَا شككنا فِي شيءٍ لا تجزيء الصلاة بدونه ثم تبين الإتيان به هل تجزيء الصلاة أو لا؟. انتهى، ولكن لا يلزم اتحاد المشهور فِي هذه النظائر؛ لاختلاف المدارك، ألا ترى إِلَى قوله بعد هذا: (كمُسَلِّمٍ شكّ فِي الإتمام ثم ظهر الكمال عَلَى الأظهر).

متن الخليل:
ومَنَعَ حَدَثٌ: صَلاةً وطَوَافاً ومَسَّ مُصْحَفٍ وإِنْ بِقَضِيبٍ، وحَمْلَهُ وإِنْ بِعِلاقَةٍ أَوْ وِسَادَةٍ إِلا بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ وإِنْ عَلَى كَافِرٍ، لا دِرْهَمٍ وتَفْسِيرٍ ولَوْحٍ لِمُعَلِّمٍ ومُتَعَلِّمٍ وإِنْ حَائِضاً وجُزْءٍ لِمُتَعَلِّمٍ وإِنْ بَلَغَ.
الشرح:
قوله: (لا دِرْهَمٍ وتَفْسِيرٍ).
ابن عبد السلام ولو كان مثل تفسير ابن عطية، زاد فِي "التوضيح": لأن المقصود منه ليس القرآن.
ابن عرفة، ومقتضى الروايات: لا بأس بالتفاسير غير ذات كتب الآي مطلقاً، وذات كتبها إن لَمْ تقصد وأطلق ابن شاس: الجواز.

متن الخليل:
وحِرْزٍ بِسَاتِرٍ، وإِنْ لِحَائِضٍ.
الشرح:
قوله: (وَحِرْزٍ بِسَاتِرٍ، وإِنْ لِحَائِضٍ). قال مالك فِي سماع أشهب من كتاب الصلاة: لا بأس بما تعلّقه الحائض والحبلى والصبي من القرآن، إن كان مما يكنه من قصبة حديد أو جلد يخرز عليه، ابن رشد: أجازه فِي المرض، وأما فِي الصحة لما يتوقع من مرض أو عين فظاهر هذه الرواية إجازته، وهو أولى بالصواب، وقد روي عنه كراهته، والخيل والبهائم كالآدمي. انتهى. وإطلاق المصنف يتناول المريض والصحيح كما صوّب ابن رشد.

.موجبات الغسل:

يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِمَنِيٍّ، وإِنْ بِنَوْمٍ أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلا جِمَاعٍ ولَمْ يَغْتَسِلْ.
الشرح:
قوله: (أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلا جِمَاعٍ ولَمْ يَغْتَسِلْ). فِي النسخة المقروءة عَلَى أبي عبد الله بن الفتوح: صوابه أو به ولَمْ يغتسل، وهذا يتمشى الكلام به ويكون المعنى: أنه يجب الغسل بالمني وإن خرج بعد ذهاب اللذة بلا جماع، أو خرج بعد ذهاب اللذة بالجماع، والحالة أنه لَمْ يغتسل لذلك الجماع، ومفهومه أنه لو اغتسل للجماع لَمْ يعد الغسل لخروج المني، وبه صرّح فِي قوله: (كمن جامع فاغتسل ثم أمنى)، وبسط ذلك:
أن المسألة عَلَى وجهين:
أحدهما: أن يلتذّ بغير جماع ولا ينزل ثم ينزل. والثاني: أن يجامع ولَمْ ينزل ثم يغتسل ثم يخرج منه المني، فقيل: بالوجوب فيهما؛ لأنه مستند إِلَى لذة متقدمة، وقيل: لا فيهما؛ لعدم المقارنة؛ ولأن الجنابة فِي الثاني قد اغتسل لها، والقول الثالث: التفرقة فيجب فِي الأول دون الثاني؛ لأنه فِي الثاني قد اغتسل لجنابته، والجنابة الواحدة لا يتكرر الغسل لها.
وقد ذكر اللخمي والمازري وغيرهما الثلاثة الأقوال، وكذا قرر ابن هارون قول ابن الحاجب: ولو التذّ ثم خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل فلا يعيد، وتبعه فِي "التوضيح" واقتصر هنا عَلَى الثالث.
فإن قلت: فأي فائدة فِي تصويب ابن الفتوح؛ مع أن من جامع ولَمْ يغتسل ذمته عامرة بالغسل وإن لَمْ ينزل؟
قلت: فائدته فِي المفهوم، إلا أن التصريح به يضعفها، ولكلام المصنف محمل آخر ذكرناه فِي التي بعدها.

متن الخليل:
لا بِلا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ ويَتَوَضَّأُ كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى ولا يُعِيدُ الصَّلاةَ، وبِمَغِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ لا مُرَاهِقٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعٍ فِي فَرْجٍ وإِنْ مِنْ بَهِيمَةٍ ومَيِّتٍ، ونُدِبَ لِمُرَاهِقٍ كَصَغِيرَةٍ وطِئَهَا بَالِغٌ لا بِمَنِيٍّ وَصَلَ لِلْفَرْجِ، ولَوِ الْتَذَّتْ.
الشرح:
قوله: (لا بِلا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ ويتوضأ كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى ولا يُعِيدُ الصَّلاةَ) اقتصر فِي الثلاثة عَلَى القول بالوضوء؛ لقول ابن القصار فيما ذكر الباجي عنه: أن وجوبه ظاهر المذهب، فأما الأولان فلا يتوهم فيهما إعادة الصلاة، وأما الثالث فمحلّ الخلاف فِي إعادتها، لكن اقتصر عَلَى القول بعدم الإعادة؛ لأنه الذي اختاره المازري وابن رشد...و غيرهما، لكونه لا يحكم له بالاعتبار إلاّ بعد الخروج.
قال ابن رشد: وللقول بإعادة الصلاة وجه عَلَى بعد، وهو ما يخشى أن يكون انفصل الماء من موضعه، وصار إِلَى قناة الذكر بعد أن اغتسل لمجاوزة الختان؛ فصار بذلك جنباً، فصلى ثم خرج الماء بعد. قاله فِي سماع عيسى.
فإن قلت: إنما فرّع الباجي القول بإعادة الصلاة عَلَى القول بالغسل، كما هو ظاهر كلام ابن رشد، وعَلَى ذلك درج ابن الحاجب وغيره، فقد كان المصنف فِي غنيً عن قوله: (ولا يعيد الصلاة) لاقتصاره عَلَى القول بالوضوء.
قلت: قد فرّعه اللخمي عَلَى القول بعدم الغسل أيضاً فقال: واختلف بعد القول: أن لا غسل فِي ذلك فِي: وجوب الوضوء، وفي إعادة الصلاة، فقال مالك فِي "المجموعة"، وفِي سماع ابن القاسم: ليس فِي ذلك إلاّ الوضوء ويعيد الصلاة، ثم كمّل بقية الأقوال، إلاّ أن ما نسبه لسماع ابن القاسم لَمْ يوجد فيه كما ذكر ابن عرفة.
تفريع:
قال فِي "النوادر": ومن "المجموعة" قال مالك من رواية علي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع فِي: الجنب يغتسل ثم يخرج منه بقية منى وقد بال أو لَمْ يبل، فليغسل ذلك وليتوضأ. قال عنه ابن القاسم: وليعد الصلاة.
ابن يونس: وقال عنه ابن حبيب: إنما عليه الوضوء. عبد الحق: وروى ابن حبيب: خروج مائه من فرجها بعد غُسلها كبولها، ويمكن أن يكون المصنف ألمّ برواية "النوادر" هذه إذ قال قبل: (أو بعد ذهاب لذة بلا جماع لَمْ يغتسل)؛ بحيث يتناول صورتين إحداهما ألا يخرج مع اللذة شيء من المني فلا ينطبق عليها قوله: (ولَمْ يغتسل)، والأخرى: أن يخرج معها بعض المني وتبقى منه بقية، وإليها يرجع قوله: (ولَمْ يغتسل)، ومفهومه أنه لو اغتسل للخارج من المني مع اللذة لَمْ يعد الغسل لخروج البقية، كما فِي هذه الرواية.

متن الخليل:
وبِحَيْضٍ ونِفَاسٍ بِدَمٍ، واسْتُحْسِنَ وبِغَيْرِهِ لا بِاسْتِحَاضَةٍ ونُدِبَ لاِنْقِطَاعِهِ ويَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَا ذُكِرَ وصَحَّ قَبْلَهَا وقَدْ أَجْمَعَ عَلَى الإِسْلامِ لا الإِسْلامُ إِلا لِعَجْزٍ، وإِنْ شَكَّ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ وأَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ كَتَحَقُّقِهِ.
ووَاجِبُهُ نِيَّةٌ ومُوَالاةٌ كَالْوُضُوءِ وإِنْ نَوَتِ الْحَيْضَ والْجَنَابَةِ أَواحدهُمَا نَاسِيَةً لِلآخَرِ أَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ والْجُمُعَةَ أَوْ نِيَابَةً عَنِ الْجُمُعَةِ حَصَلا، وإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ أَوْ قَصَدَ نِيَابَةً عَنْهَا انْتَفَيَا، وتَخْلِيلُ شَعَرٍ وضَغْثُ مَضفُورِهِ لا نَقْضُهُ ودَلْكٌ ولَوْ بَعْدَ الْمَاءِ أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوِ اسْتِنَابَةٍ، وإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ.
وسُنَنُهُ: غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلاً وصِمَاخُ أُذُنَيْهِ ومَضْمَضَةٌ واسْتِنْشَاقٌ.
الشرح:
قوله: (واسْتُحْسِنَ وبِغَيْرِهِ) أي: بغير دم. وأصل المسألة فِي سماع أشهب: أن من ولدت دون دم اغتسلت.
فقال اللخمي: هذا استحسان؛ لأنه للدم لا للولد، ولو اغتسلت لخروج الولد دون الدم لَمْ يجزها، وقال ابن رشد: معنى سماع أشهب دون دمٍ كثير إذ خروجه بلا دمٍ معه ولا بعده محال عادة، هذا تحصيل ابن عرفة. قال: ونقل ابن الحاجب نفيه روايةً، وابن بشير قولاً، لا أعرفه.

متن الخليل:
وَنُدِبَ بَدْءٌ بِإِزَالَةِ الأَذَى، ثُمَّ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ كَامِلَةً مَرَّةً وأَعْلاهُ ومَيَامِنِهِ وتَثْلِيثُ رَأْسِهِ وقِلَّةُ الْمَاءِ بِلا حَدٍّ كَغَسْلِ فَرْجِ جُنُبٍ لِعَوْدِهِ لِجِمَاعٍ ووُضُوئِهِ لِنَوْمٍ لا تَيَمُّمٍ ولَمْ يَبْطُلْ إلا بِجِمَاعٍ، وتَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مَوَانِعَ الأَصْغَرِ، والْقِرَاءَةَ إلا كَآيَةٍ لِتَعَوُّذٍ ونَحْوِهِ، ودُخُولَ مَسْجِدٍ، ولَوُ مُجْتَازاً، كَكَافِرٍ، وإِنْ أَذِنَ مُسْلِمٌ. ولِلْمَنِيِّ تَدَفُّقٌ ورَائِحَةُ طَلْعٍ أَوْ عَجِينٍ.
الشرح:
قوله:(لا تَيَمُّمٍ). يعني: أن الجنب العاجز عن الوضوء لا يؤمر بالتيمم، بناءً عَلَى أن الوضوء للنشاط لا لتحصيل طهارة، وهو قول مالك فِي "الواضحة".

متن الخليل:
ويُجْزِئُ عَنِ الْوُضُوءِ وإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ جَنَابَتِهِ، وغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ، ولَوْ نَاسِياً لِجَنَابَتِهِ كَلُمْعَةٍ مِنْهَا، وإِنْ عَنْ جَبِيرَةٍ.
الشرح:
قوله: (وَيُجْزِئُ عَنِ الْوُضُوءِ وإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ جَنَابَتِهِ)، يعني: أنه يجزئه الغسل عن الوضوء، فتجزئه نية الأكبر عن الأصغر، فإِذَا اغتسل لجنابته فذكر أنه إنما عليه الوضوء أجزأه، وكذا نصّ عليه اللخمي، زاد ابن عرفة وخرج عَلَى ترك الترتيب، وأجزأه غسل الرأس عن مسحه.

.المسح عَلَى الخفين:

رُخِّصَ لِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ وإِنْ مُسْتَحَاضَةً بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مَسْحُ جَوْرَبٍ.
الشرح:
قوله: (رُخِّصَ لِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ وإِنْ مُسْتَحَاضَةً) كذا فِي "المدوّنة". قال فِي "التوضيح": لئلا يتوهم قصر الرخصة عَلَى الرجل، لكونه هو الذي يضطر غالباً إِلَى الأسباب المقتضية للبسه.

متن الخليل:
جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وبَاطِنُهُ وخُفٍّ ولَوْ عَلَى خُفٍّ بِلا حَائِلٍ كَطِينٍ، إِلا الْمِهْمَازَ ولا حَدَّ بِشَرْطِ جِلْدٍ طَاهِرٍ خُرِزَ وسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ وأَمْكَنَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ بِطَهَارَةِ مَاءٍ كَمُلَتْ بِلا تَرَفُّهٍ وعِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ، أَوْ سَفَرِهِ.
الشرح:
قوله: (جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وبَاطِنُهُ) أي: أعلاه وأسفله من خارج، فهو كقوله فِي "المدوّنة": إلاّ أن يكون فوقهما وتحتهما جلد مخروز.

متن الخليل:
فَلا يُمْسَحُ وَاسِعٌ ومُخَرَّقٌ قَدْرَ ثُلُثِ الْقَدَمِ وإِنْ بِشَكٍّ لا دُونَهُ إِنِ الْتَصَقَ، كَمُنْفَتِحٍ صَغُرَ وغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ ورِجْلاً فَأَدْخَلَهَا حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ ولا مُحْرِمٌ لَمْ يُضْطَرَّ.
الشرح:
قوله: (لا دُونَهُ) أي: لا دون قدر الثلث.

متن الخليل:
وَفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ، ولا لابِسٌ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِيَنَامَ، وفِيهَا يُكْرَهُ، وكُرِهَ غَسْلُهُ وتَكْرَارُهُ وتَتَبُّعُ غُضُونِهِ وبَطَلَ بِغُسْلٍ وَجَبَ وبِخَرْقِهِ كَثِيراً.
الشرح:
قوله: (وفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ) ابن عرفة: لا نصّ فِي الخفّ المغصوب، وفيه نظر، وقياسه عَلَى المحرم يردّ بأن حقّ الله تعالى آكد، وقياسه عَلَى مغصوب الماء يتوضأ به، والثوب يستتر به، والمدية يذبح بها، والكلب يصطاد به، والصلاة بالدار المغصوبة يردُّ بأنها عزائم.

متن الخليل:
وبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ.

الشرح:
قوله: (وبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ)، جعل الحكم للأكثر اعتماداً عَلَى قول ابن الجلاب: إلا أن تخرج الرجل كلها أو جلها؛ وكأنه عنده تفسير لما فِي "المدوّنة".

متن الخليل:
لا الْعَقِبِ.
الشرح:
قوله: (لا الْعَقِبِ) أي: لا بنزع العقب، فهو كقوله فِي "المدوّنة": وإِذَا خرج العقب من الخف إِلَى الساق والقدم كما هي فِي الخف، فهو عَلَى وضوءه.

متن الخليل:
وَإِذَا نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ أَو أحدهُمَا بَادَرَ لِلأَسْفَلِ كَالْمُوَالاةِ، وإِنْ نَزَعَ رِجْلاً وعَسُرَتِ الأُخْرَى، وضَاقَ الْوَقْتُ فَفِي تَيَمُّمِهِ أَوْ مَسْحِهِ عَلَيْهِ أَوْ إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وإِلا مُزِّقَ، أَقْوَالٌ.
ونُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ ووَضْعُ يُمْنَاهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ويُسْرَاهُ تَحْتَهَا ويُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ وهَلِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوِ الْيُسْرَى فَوْقَهَا تَأْوِيلانِ، ومَسْحُ أَعْلاهُ وأَسْفَلِهِ، وبَطَلَتْ إِنْ تَرَكَ أَعْلاهُ لا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ المختار.
الشرح:
قوله: (أَو أحدهُمَا) أي: أحد المنفردين أو أحد الأعليين، فإِذَا نزع أحد المنفردين نزع الآخر وغسل الرجلين، وإِذَا نزع أحد الأعليين مسح الذي تحته فقط، هذا قول ابن القاسم فِي المسألتين، ومقتضى سماع أشهب: ألا يجب خلع الخفّ الآخر فِي المسألتين، وقال ابن حبيب: لابد من خلعه فِي المسألتين، فهي ثلاثة أقوال قد حصّلها ابن رشد فِي سماع أشهب.